لقاء مجلة (النخبة) مع الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
يرى الدكتور عبد السلام بن برجس العبد الكريم من المعهد العالي للقضاء بالرياض أن وحدة كلمة الأمة واجتماع قلوبها في مصاف الأساسيات العظام التي يبنى بها مجتمع سليم قادر على عمارة الأرض بعبادة الله وإقامة الحضارة المادية لتسخيرها فيما يرض الله كما يرى أن المظاهرات فيها خروج عن طاعة الله والرسول وأولي الأمر حيث قال أنا لنا معشر المسلمين طرق شرعية في ابلاغ الحاكم عن خطأ ما فالمناصحة التي شرعها الله كفيلة بإبلاغ الحاكم وهي في نفس الوقت تحفظ تلاحم الناس ووحدة الكلام وتقي من الفرقة التي حذرنا الله، وفي هذا الحوار آراء أخرى لا تقل أهمية قالها الدكتور العبد الكريم مستنداً على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نعرضها لكم بكل ترحاب:
ما منزلة وحدة الأمة في الشريعة الإسلامية؟
ـ وحدة الأمة في شريعة الله تعالى من القضايا الكبيرة التي اهتم بها الإسلام، بل أكبر مقاصد الإسلام يوم جاء إلى كفار العرب، أمرهم بعبادة الله وحده، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووحدة الكلمة, فوحدة كلمة الأمة واجتماع قلوبها في مصاف الأساسيات العظام التي بها يبني مجتمع سليم قادر على عمارة الأرض بعبادة الله، وإقامة الحضارة المادية لتسخيرها فيما يرضي الله.
قال الله عز وجل {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، فأمر تعالى بالاجتماع ونهى عن ضده وهو التفرق، لما يحدثه التفرق من الخراب والهلاك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة».
والأدلة في الكتاب والسنة كثيرة جداً في هذا الباب، جمعت بعضها في كتابي «الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم».
كيف ترون المظاهرات هل هي طريقة صحيحة أم طريقة مُعيب؟
ـ جعل الله سلطة لولي أمر البلاد، وفرض عليه سياسة الناس وضبط أمورهم، فالمظاهرات فيها منازعة الله عز وجل فيما جعله للحاكم من سلطة في قوله تعالى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }. إذ أن المظاهرات فيها الخروج عن طاعة، ونحن معشر المسلمين لنا طرق شرعية في إبلاغ الحاكم عن خطأ ما، فالمناصحة في السر التي شرعها الله كفيلة بإبلاغ الحاكم، وهي في نفس الوقت تحفظ تلاحم الناس ووحدة الكلمة وتقي من الفرقة التي حذرنا الله.
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: وأما نداء الجهلة في مظاهراتهم ورفع أصواتهم بقولهم يحيا فلان ويسقط فلان فليس من أفعال العقلاء أو الجهاد وإنما من السفاهة والفوضى .. ثم من نظر إلى المظاهرات التي قامت في بعض أقطار المسلمين فإنه يرى عدم فائدتها، بل قد يحصل فيها سفك دم أو ضرب موجع، وذلك محرم، ومن مات في المظاهرات ـ فإنه يوم مات وهو خارج عن طاعة السلطان ـ فميتته جاهلية نسأل الله السلامة, يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن ابن عباس: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية». وفي مستدرك الحاكم عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية», قوله «إمام جماعة» أي: الحاكم والسلطان في البلد، الذي تولى أمر الناس كافة، فالذي مات في المظاهرة وليس يقوده «إمام جماعة» وإنما يقوده شخص آخر، أو تقوده نفسه، وكل ذلك بعث للفوضى وافتيات على إمام جماعة المسلمين.
الفضائيات اليوم فرضت نفسها ودخلت البيوت ومثلها الانترنت، يدعى فيها إلى المظاهرات والطعن على الحاكم المسلم والعالم المسلم كيف هذه الأطروحات؟
ـ هذه الإعلاميات المعاصرة فيها مظهر من مظاهر الحضارة التي وصل إليها الإنسان، وما كان له أن يبلغها إلا بفضل الله عليه وبتسخير الخيرات له، فالمؤمن حقاً يصرف هذه الأمور فيما يحقق به سعادة الدنيا والفوز بالآخرة.
هذه الفضائيات على قدر ما تعطي من خير ديني أو دنيوي فهو قليل بالنسبة لما يكون في أغلبها من سوء فكري أو سوء خلقي، فهي تصدر ما يحمله القائمون عليها، فإن كانت القناة يقوم عليها فريق معتدل وجدت فيها خيراً، وإن كان غير ذلك وجدت شراً يتفاوت بين الشر والأشر. والمسلم مأمور أن ينظر فيما يأخذ من أفكار، ممن جاءت؟ هل جاءت من مسلم صادق عالم، أو جاءت من سيء أو منحل، أو كافر؟ فلا يأخذ إلا ممن يثق بدينه وخلقه، أما وأن يأخذ ممن هب ودرج فذلك ليس من شأن المسلم، وإنما هو من شأن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر.
ومما حدث بأسباب أكثر الفضائيات: انتشار أفكار غريبة على ديننا وعلى وطننا وعلى قيمنا منها: التشجيع على المظاهرات، والقدح في الحكام والمسلمين .. وغير ذلك أقول: ليس في شرعنا ولا عرفنا هذه المظاهرات, وليس في شرعنا ولا عرفنا الطعن في حكامنا بل تربينا على أن الحاكم بمنزلة الوالد، فكما أننا لا نقدح في والدنا فإننا لا نقدح في حكامنا، وليس ذلك لادعاء عصمة الحكام! كلا، بل هم بشر يخطئون ويصيبون، لكن المنافع الحاصلة بهم أكثر من الأضرار التي قد تحدث منهم، قال الحسن البصري رحمه الله: والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون.
فهذا نص عن أحد رموز هذه الأمة العظيمة، ثم هو واقع ملموس، فأنت لو تصورت وهذا البلد ليس له قائد، فكيف سيكون الحال؟ اضطراب وفوضى، كما لو أن إشارة المرور تعطلت. وليس معقولاً أن يتولى على الناس كامل، لأن طبيعة البشر النقص سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكيف نطالب الحاكم بالكمال وهو مستحيل، ومهما تغير الحاكم إلى حاكم آخر فالنقص موجود، إذن فالطعن ومحاولة الطعن فاشلة ضررها أكثر من نفعها، ولهذا استقر إجماع أهل السنة على ترك الخروج في الفتنة.
أيضاً فإن السب والطعن ليس من أخلاق المسلم يقول صلى الله عليه وسلم «ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش البذيء». والطعان الذي يطعن في أعراض الناس بالغيبة ونحوها، فهذا السب والطعن في الحاكم المسلم ليس من شرعنا ولا من أخلاقنا. ولأن الشرع علم أن الطعن في الحاكم سيكون كثيراً، جاء بالنص على المنع الأكيد من هذا الطعن لأنه ليس طريق تقويم الحاكم، بل هو طريق للفوضى والتنازع وشيوع الفتن. فعن عمرو البكالي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة والجهاد فقد حرم الله عليكم سبهم، وحل لكم الصلاة خلفهم». أخرجه البزار والطبراني في «المعجم الكبير», وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تسبوا أمراؤكم، ولا تغشوهم ولا تعصوهم، واصبروا، واتقوا الله عز وجل فإن الأمر قريب», رواه البيهقي وغيره, فهذا ما عليه أهل الإسلام من الصحابة الكرام فمن بعدهم، فهل ترضى بما هم عليه، أو تقتنع بما عليه القنوات الفضائية!!.
الشخص الذي تكون له سياسة الأمة، هل كل أحد يجعل نفسه في هذه المرتبة؟
ـ الشخص الذي يكون له سلطة سياسة الأمة هو الحاكم المسلم الذي أجمع الناس عليه، عن طريق تولية أهل الحل والعقد له، أو ولاية العهد من الحاكم قبله، فهذان طريقان لتولية الحكم في الإسلام مشروعة، وقد أجمع العلماء عليها، فلا يحق لأي شخص أن يدعو الناس إلى السمع والطاعة له ما دام الحاكم موجوداً، ومن فعل ذلك فإنه خارج عن الطاعة مفارق للجماعة.
يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: «ومن غلب عليهم بالسيف، حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً، باراً كان أو فاجراً».
العلماء والحكام ما هو الواجب في العلاقة بينهما؟
ـ العلماء والحكام عليهما قيام الدين والدنيا فهما صنفان جعلهما الله تعالى للنهوض بالأمة والحفظ لها والذب عنها، فوظيفتاهما أعظم الوظائف وأخطرها.
يقول الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: «لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم».
وبناء على ذلك فواجب العلماء والحكام أن يراعوا هذه المكانة العظيمة التي أعطاها إياهم الشرع المطهر، فينصحوا الأمة ويأخذون بها إلى الأصلح، فإنهم على حجم منزلتهم في الشرع ومكانتهم في الدنيا سوف يكون حسابهم في الآخرة، فلا أعظم أجراً من حاكم ناصح لأمته، ولا أعظم إثماً من حاكم غاش لرعيته.
وقد جعل الله لكل من العلماء والحكام أعمالاً بعد الشرك بالله، يختصون بها:
فالحاكم عليه سياسة أمور الدنيا، والعالم عليه تبصير الناس جميعاً بما يجب عليهم وما يحرم عليهم، سواء كانوا حكاماً أو محكومين، وعلاقته بالحاكم يجب أن تكون علاقة نصح وإرشاد وإشارة، ينصح له، ويحب اجتماع الناس عليه، والحاكم عليه تقريب العلماء فهم ورثة لأنبياء، واستشارتهم، والأخذ بالعلم الذي حملوه، فالعالم والحاكم أخوان يشد بعضهما أزر بعض لتحمل المسئولية الكبيرة تجاه الله وتجاه الناس.
مجلة النخبة/ العدد (193) ـ السبت (22) صفر 1423هـ.
القائمة البريدية

Twitter

Facebook

Youtube