الشيخ حمود التويجري إلى رحمة الله
الحمد لله
وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد ..
فإن فقد العلماء ثلمة في الإسلام لا تُسدُّ، إذ حياتهم حياة للمعارف
والعلوم التي هي سر حياة القلوب. فإذا انقضت حياتهم: اختفى بعض هذه المعارف
والعلوم. ولهذا فإن قبض العلم ـ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ إنما
هو بقبض العلماء.
وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي
الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }[الرعد:41]: خرابها: بموت
علمائها، وفقهائها، وأهل الخير منها.
وقد أخذ هذا المعنى بعضهم فقال:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها *** متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف
حقاً إن العلماء جمال البلاد، وزينة الدنيا، فبذهابهم تذبل وتمحل، وتظلم.
ولقد فقدنا بدراً منيراً، وعلماً شهيراً، طالما ارتشفنا من معين فضله،
وغزير عمله، ذلك البدر الوضاء هو: الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود
التويجري، الذي انتقل إلى جوار ربه الكريم بعد صلاة المغرب من ليلة
الأربعاء، الموافق 6/7/1413 هـ. عن عمر يقارب الثمانين، قضاه رحمه الله
تعالى في العلم: تعلماً وتعليماً وتأليفاً، فعم نفعه، وكثر بره، وتوالى
خيره، وطار ذكره الجميل بين العالمين، وعلا صيته الحسن كل سمع.
ابتدأ رحمه الله تعالى طلب العلم في سن مبكرة، فلزم عالم سدير وقاضيها
الشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، في مدينة «المجمعة» فحفظ
عليه المتون العلمية المشهورة في الفقه والحديث والنحو والفرائض. فلما
أتقنها أمر عليه المطولات كالأمهات الست، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن
القيم، وكتب فقهاء الحنابلة.
ومع قيامه في هذا الروض من رياض الجنة فإنه كان ذا خط في غاية الحسن
والبهاء، فنسخ كتباً كثيرة، بإرشاد شيخه العلامة عبد الله العنقري ولقد
أجازه بجميع مرويَّاته، ورشحه للقضاء مراراً فامتنع، فالزمه الملك عبد
العزيز بالقضاء ونصبه قاضياً في المنطقة الشرقية، ثم في الزلفي، ثم طلب
الشيخ اعفاءه فأعفي وتفرغ للتأليف ومن مشايخه الذين أجازوه ـ أيضاً ـ الشيخ
العلامة سليمان بن حمدان صاحب الردود الشهيرة، وصاحب «الدر النضيد في شرح
كتاب التوحيد» وغيره.
ومن مشايخه الذين قرأ عليهم الشيخ العلامة عبد الله بن حميد، فقد قرأ عليه
عندما تولى الشيخ ابن حميد قضاء المجمعة في أوائل الستينات.
أما عن مؤلفاته رحمه الله تعالى فهي غاية في التحقيق والتدقيق والعناية،
ومما تميز به مؤلفاته أمور أخص منها أمرين:
الأول: كون أكثرها في الرد على المجانبين للصواب من المؤلفين والكتاب، سواء
كانت المجانبة للصواب في الأمور العقدية ككتب أهل البدع والأهواء، أو
المجانبة للصواب في الأمور العلمية والمسائل الفقهية كمؤلفات بعض العلماء
من أهل السنة في الحجاب.. ونحو ذلك.
وهذا باب لا أعلم من قام به، وتصدى له في هذا الزمن مثله رحمه الله تعالى.
الأمر الثاني مما تميز به كتبه: الاستقصاء في البحث، وجمع المادة العلمية
من غير مظنتها، وهذا إنما يدل على سعة اطلاعه وكثرة مطالعته في المطولات.
ومؤلفاته كثيرة تقرب من الثلاثين منها:
«اتحاف الجماعة بما جاء في الملاحم والفتن وأشراط الساعة» مجلدان كبيران،
و«الرد القويم على المجرم الأثيم» و«الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي
المنتظر» و«الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور» و«الإجابة الجلية على
الأسئلة الكويتية» و«إعلان النكير على المفتونين بالتصوير» و«القول البليغ
في التحذير من جماعة التبليغ» و«الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من
مشابهة المشركين» وغيرها من الكتب التي نصر الله بها الإسلام والسنة، ودحض
بها أهل الأهواء و البدع.
فهذا ميراثه نعم الميراث، وهذا عطاؤه نعم العطاء. نسأل الله سبحانه أن يرفع
درجاته في عليين، وأن يلهم أهله وذويه وطلاب العلم الصبر والاحتساب، إنه
سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الرأي للجميع/ السبت 16 رجب 1413 هـ ـ 9يناير 1993م ـ العدد 8965 السنة
التاسعة والعشرون