المحبة الصادقة لأهل بيت الرسول صلى
الله عليه وسلم
أفضل البيوت
على الإطلاق بيت نبي الله تعالى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم. الله جل وعلا طهرهم تطهيراً، وشرفهم تشريفاً كبيراً، أثنى عليهم،
ومدحهم، فمحبتهم قربة وطاعة، وبغضهم نفاق وشقاق.
فلا يدخل الإيمان قلب رجل حتى يحبهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يبغضهم أحد إلا أدخله الله النار. بذلك صحت الأحاديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم. وجاءت وصاياه صلى الله عليه وسلم بهم صريحة، ففي صحيح مسلم
عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أَلَا أَيُّهَا
النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي
فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ
اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ،
وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ. وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ
بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ».
وتنفيذاً لهذه الوصية الجليلة، واستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم،
حملت قلوبنا معشر أهل السنة والجماعة الحب الكبير لهذا البيت الكبير، فهذا
الصديق أبوبكر رضي الله عنه يقول:
»ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ
بَيْتِهِ», رواه البخاري. ومعنى: «أرقبوا» احفظوا، وحفظ محمد صلى الله عليه
وسلم في أهل بيته أن نحبهم لحبه، وأن لا نؤذيهم إذ أذيتهم أذية له صلى الله
عليه وسلم.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أول المنفذين لهذا الأمر، فها هو يقول:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي». رواه
البخاري ومسلم.
وهكذا كان جميع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، أنهم يكنون لهم المحبة
الصادقة. وكيف لا يكون ذلك والله تعالى أنزل الله فيهم {إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33], وأهل البيت هنا هم أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم، ودخل فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين
رضي الله عنهم وأرضاهم بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ
مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ
فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ:
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33], رواه مسلم. فعلي وفاطمة والحسن
والحسين أحق من دخل في هذه الآية، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر.
لقد فهم أهل البيت هذا الفضل الذي خصهم الله به فهماً سليماً، فعلموا أن
تفضيلهم نعمة ومنة من الله الكريم، وأنها تستحث جهداً كبيراً في شكرها
والثناء على الله بها، والتواضع له جل وعلا. فكان هذا منطلقاً لقول الإمام
علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام: «إني لأرجو أن يعطى الله
للمحسنين منا أجرين، وأخاف أن يجعل للمسيء منا وزرين».
كما أن أهل السنة والجماعة فهموا هذه الفضائل فهماً سليماً، فكان من أصول
عقائدهم: أن محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض حتم. فتربى على
ذلك أبناؤهم، فلا ترى أحداً منهم إلا محباً لهذا البيت الشريف، بريئاً من
بغضهم، ولكمال هذه المحبة المنضبطة بنصوص الشرع المطهر لا يغالون فيهم
فينزلونهم غير المنزلة التي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لهم، إذ
هم بشر إنما فضلوا بأمرين: بطاعة الله تعالى. وبقرابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فلو لم يطيعوا الله تعالى لم تكن لهم هذه المنزلة بمجرد
القرابة. يقول الإمام الحسن بن الحسن بن علي لرجل: «أحبونا. فإن عصينا الله
فأبغضونا، فلو كان الله نافعاً أحداً بقرابته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم بغير طاعة لنفع أباه وأمه». أخرجه ابن سعد في «الطبقات» وابن عساكر في
«تاريخ دمشق» وأخرجا أيضاً بسند صحيح عن الإمام علي بن الحسين بن علي أنه
قال: «يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام، فما زال
حبكم حتى صار علينا عاراً».