تيار السوء والفساد
الحمد لله
وصلى الله وسلم على محمد رسول الله
أما بعد
فإن الوقائع والحوادث التي تجري في هذه الدنيا سنة كونية قضاها الله تعالى
وقدَّرها لحكم ومصالح عظيمة قد تظهر للعباد وقد تخفى وقد يبدو بعضها ويخفى
البعض الآخر. وإن من الوقائع البارزة في هذه الأيام واقعة «التفجير» التي
تعرضت لها عاصمة الخير: الرياض في20/6/1416هـ وقد طويت صفحة هذا الحادث
بالقبض على العصابة الآثمة التي نفذته وقامت به.
والذي أحب أن أبرزه مما ظهر لي من الحكم الإلهية في هذا الحادث: أمر في
غاية الأهمية، طالما تحدثنا عنه وبيناه، ولكن دون جدوى عند فئام الناس: إنه
الحقيقة التي تجب معرفتها وإدراكها لدى الناس أجمعين، وهي: أنه لا ينخدع
بمن لبس لباس الدين وتزيا بزي أهله حتى يعرف مدى التزامه حقاً بكتاب الله
وسنة رسوله ومدى ارتباطه بسلف هذه الأمة في تفكيره وتصوره وعمله، فما كل من
تسمى بالدين والتدين وانتمى إلى أهل الخير والاستقامة كان منهم. وهذا أمر
نبهنا الله تعالى وتقدس إليه في مواضع من كتابه، وجاءت سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم تزيد ذلك بياناً واظهاراً.
فمن كتاب الله قوله جل وعلا { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ
نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً }, فقوله: «عاملة ناصبة» هذا في
الدنيا في أحد قولي المفسرين. وقد تلا عمر هذه الآية لما رأى راهباً.
وتأولها في الخوارج، فالمعنى أن هناك أناساً يعملون في الدنيا ويقومون
بأمور الدين الظاهرة ولكن عاقبتهم في الآخرة أنهم يصلون ناراً حامية،
لكونهم ضيعوا أحد شرطي قبول الأعمال وهما الإخلاص لله ومتابعة الرسول صلى
الله عليه وسلم. ومثل هذه الآية قوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }, وقد
تأولها عليٌّ رضي الله عنه في الخوارج أيضاً إعمالاً لعموم الآية. فبان من
مدلول الآية أن هناك من يعمل وينصب إلا أن عمله غير مقبول ولا اعتبار له
لكونه فقد شروط القبول ويزيد هذا المعنى وضوحاً وجلاء ما نطقت به السنة
النبوية في شأن الخوارج، حيث قد جاء في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر عند
العلماء وصف الخوارج وبيان سوء عاقبتهم. فمن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي
الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي
في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية،
يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قاتلهم عند الله
يوم القيامة». أخرجاها في الصحيحين وفي المسند عن أنس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل،
ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع
صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، هم شر
الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه
في شيء». فتأمل وصفين من أوصافهم، الأول أنهم يدعون إلى كتاب الله !!
الثاني: أن الصحابة لم يصلوا إلى درجتهم في القيام بنوافل الصلاة والصيام،
بحيث أنهم رضي الله عنه يحقرون صلاتهم وصيامهم عند صلاة وصيام الخوارج ..
ومع ذلك فالخوارج كلاب النار، هم شرُّ الخلق والخليقة، فليست العبرة
بالأعمال الخالية من الإخلاص لله وإرادة وجهه الكريم ومن المتابعة لما كان
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القول والعمل، وإنما العبرة بالأعمال
الصالحة.
يقول الإمام الآجري في كتابه «الشريعة» في باب ذم الخوارج: لم يختلف
العلماء قديمًا وحديثًا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى
الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع
لهم، وإن اظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فليس ذلك بنافع لهم؛
لأنهم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله
عز وجل منهم، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون والصحابة ومن
تبعهم بإحسان. أ.هـ
وإذ قد أقمنا الأدلة الناصعة على أنه لا يغتر بعمل عامل حتى يعرف التزامه
بما كان عليه أهل السنة والجماعة، فإن ما فعله أولئك الطغام الأراذل من
جريمة تتنافى مع الدين والأخلاق والشيم والعقول السليمة إنما هو ثمرة من
ثمرات معتقدهم الفاسد الذي تلقوه خارج هذه البلاد الطيبة. وأهل السنة
والجماعة أهل العلم والإيمان براء من هؤلاء ومما يصنعون، يعرفون خبث مذهبهم
وسوء معتقدهم، ولا ينسون أبداً ما قام به الضلال الخوارج من الاعتراض على
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته، وما ارتكبوه من سفك دم الخليفة
الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وما اقترفوه من الخروج على أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا هو دأبهم خروج على ولاة الأمر
وتكفير المسلمين وسفك للدماء.. كلما خرج قرن قطع حتى يخرج الدجال في
بقيتهم.
وبهذه المناسبة فإني أتوجه إلى العلماء وأصحاب الأقلام البناءة بطلب زيادة
التوعية والارشاد وتكثيف المحاضرات والندوات ومخاطبة المجتمعات عن طريق
وسائل الإعلام بما ينطوي عليه هذا التيار من سوء وفساد يضرُّ بدين الناس
ودنياهم، وما يجب أن يتخذ من الأسباب صيانة وحماية لأبناء الأمة من
الانزلاق في هذه الأوحال المنتنة والمبادئ الهدامة، وبذلك يؤدي حملة العلم
الأمانة العظمى الملقاة على عواتقهم، وفي حين سكوتهم وتقاعسهم عن أداء
واجبهم سوف تبنى هذه الأفكار وتتمكن حتى يصعب اجتثاثها ويستفحل خطرها،
عندئذ لا ينفع ندم ولا بكاء، ذلك بما اكتسبت أيدي المفرطين.