معاملة الحكام ... حمد الجاسر
أسعدني
بالزيارة في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك 1418هـ اخوان كريمان هما
الاستاذ إبراهيم بن سعد الحقيل والاستاذ عبد السلام بن برجس العبد الكريم،
وقد اتحفني الأخير بمؤلفين حديثي الطباعة من مؤلفاته، أحدهما أدبي بعنوان
«الأبيات الأدبية الحاصرة» ويقصد بكلمة الحاصرة (ما جمعت محصورة بعدد ملفوظ
كثلاثة وستة، أو بعدد مفهوم من السياق) والكتاب الثاني هو «معاملة الحكام
في ضوء الكتاب والسنة» وهو كتاب لطيف الحجم، ولكنه عظيم القدر، غزير
الامتاع والفائدة والنفع، كانت أولى العبارات التي تبادرت إلى ذهني بعد
تصفح محتوياته من خلال بيانها: إنه لكتاب جدير بالمطالعة.
ذلك لصلته بأهم موضوع تتوقف عليه حياة الأمم، وتقوم على أسس راسخة من العلم
والعدل والاصلاح والأمن، فتستقيم جميع الأحوال، وتعم السعادة والاطمئنان،
وتسود في المجتمعات روح التعاون على الخير، والتشارك في جميع ما به نفع
عام، وتزول الأحقاد من النفوس، وتنقطع بواعث الشرور والاستبداد والقهر،
ويعيش الجميع في بحبوحة من السرور والراحة والسعادة.
إذ باستقامة أحوال الولاة تستقيم أحوال شعوبها، وبصلاح أمورهم تصلح جميع
الأمور العامة والخاصة، وبجهل ما يجب لهم من الطاعة، وبعدم رعاية جميع
حقوقهم تعم الفوضى، وينتشر الاختلاف الذي به تضطرب الأحوال، وينفلت حبل
الأمن، ورعاية المصالح، وبذلك تؤول حياة الأمة إلى الخراب والاضمحلال، كما
قال الشاعر الحكيم الإمام عبد الله بن المبارك (118/181) من الأئمة الحفاظ
المجاهدين، ذي مؤلفات مشهورة في الحديث وفي الجهاد وفي الرقائق في أبيات له
في (الخلافة) ويقصد الولاية بصفة عامة:
لولا (الخلافة) لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهبـاً لأقوانـا
وما ابتليت الأمة الإسلامية ـ في مختلف عصورها ـ وما نكبت بأسوأ وأشد شراً
من اختلافها على ولاة أمورها منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان ـ رحمه الله ـ.
ولقد عني السلف الصالح من علمائنا منذ القدم في تناول هذا الموضوع، من
مختلف جوانبه فألفوا فيه المؤلفات الحافلة، بإيضاح ما يجب للولاة من
الحقوق، وما ينبغي للرعية من التخلق والاتصاف به في معاملتهم وأداء حقوقهم
كاملة، منذ أن شرع المولى عز وجل طاعتهم في محكم كتابه الكريم: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وعلى لسان نبيه المصطفى عليه
أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله، فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة
فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وأوضح العلماء مدلول هذين النصين الكريمين وما يرتبط بهما ويدخل في معناهما
ايضاحاً وافياً شافياً.
ومن تلك المؤلفات ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ لمؤلفين متقدمين كتاب
«الأحكام السلطانية» للإمام علي بن محمد الماوردي الشافعي المتوفى سنة
(450) و«الأحكام السلطانية» للإمام محمد بن الحصين بن الفرا الحنبلي أبي
يعلى المتوفى سنة (458) وغيرهما مما لا أطيل بذكره.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم رسالة في الموضوع جليلة
الفائدة على صغر حجمها هي «السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية» نشرت
مراراً كما له رسالة في الموضوع في رسائله المطبوعة.
وها هو الأستاذ الفاضل عبد السلام، المحاضر في (معهد القضاء العالي) يشارك
في السير على النهج السوي القويم لأولئك العلماء بتأليف كتاب «معاملة
الحكام في ضوء الكتاب والسنة» حين رأى ـ وفقه الله ـ شدة حاجة الناس في هذا
الزمان إلى معرفة ذلك، وأن جهلها من أعظم الأسباب التي تلج الشرور على
المسلمين منها، نصحاً للأمة، وقياماً بما أوجب الله على العلماء من بيانه،
وايضاحه لهم، فجمع ما يتعلق بالموضوع من النصوص ورتبها ونقل عن العلماء
المتقدين ما يتعلق بها من أحكام وايضاح، وألف بينها في كتابه هذا، الذي
أقدمه للقراء مكتفياً بعرض مباحثه، محاولاً الايجاز، تاركاً للقارئ الكريم
الاستمتاع بمطالعته كاملة ليدرك بذلك ما لم اتوسع بذكره من فوائد جليلة.
ومن مباحث هذا الكتاب مقدمة في اهتمام علماء السلف بهذا الأمر، وذكر صور من
مواقفهم فيه (8/18) ثم فصول الكتاب:
الأول: قواعد تتعلق بالإمام (16/46).
الثاني: في بيان مكانة ولي الأمر في الشرع (47/62).
الثالث: في الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن التفرق (63/110).
الرابع: في وجوب الطاعة في غير معصية (111/128).
الخامس: في الحث على انكار المنكر وكيفية الانكار على الأمراء (129/160).
السادس: في الصبر على جور الأئمة (161/172).
السابع: في النهي عن سب الأمراء (173/186).
الثامن: في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه (187/196).
ثم ذكر المصادر والفهارس (197/216).
وقد فرع في كل فصل من الفصول الثمانية ما يتعلق به من الأمور وما ورد فيه
من النصوص الشرعية، ومن أقوال العلماء في مختلف العصور منسوبة إلى مصادرها.
وبرز الكتاب بصورة مشرقة من حيث وضوح الطبع، وضبط جميع الكلمات بالشكل
الكامل، وطرزت حواشيه بفوائد تتعلق بتخريج الأحاديث وبيان أحوال الرواة
وذكر المصادر التي فصلها تفصيلاً وافياً في آخر الكتاب وألحق بها بيان
محتواه مجملاً، ووقع في (216) من الصفحات في طبعته الخامسة التي صدرت العام
الماضي 1417 هـ (1996) مما يدل على أن الكتاب لقي ما هو جدير به من الرواج
والانتشار.
تصحيح تطبيع (أخطاء مطبعية)
وقع في المقال المنشور في هذه الجريدة الكريمة (ع 9241) تاريخ 19/9/1418 هـ
الصفحة الأخيرة السطر 12) بعنوان (كتاب المراجع العربية) هذه الجملة: (لا
يُتْرَكَ لُقي في خزائن الكتب) ووضع فوق كلمة (لُقي) ضمة، والصواب كما
وضعتها فتحة (لَقى) فاللقى بفتح اللام والقاف والقصر: الشيء المطروح، وأما
(لُقَي) بضم اللام وفتح القاف والقصر فهو مصدر لقي فلان فلاناً لقاءً
ولقاءة، ومن ذلك لُقاً بالضم، فالفرق بين الكلمتين المفتوحة اللام
والمضمومة مختلف.
الحواشي:
(*) تأليف عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم.