لا تحسبوه شراً لكم
فجع أسماعنا
نبأ حادث التفجير الذي وقع في مدينة «الخبر» ولم يكن في وسعنا إلا استقبال
هذا النبأ المحزن بما يستقبل به المؤمنون أقدار الله المؤلمة، حيث يسلمون
ويرضون، ويقولون بكل طمأنينة وثبات: (إنا لله وإنا إليه راجعون) (قدر الله
وما شاء فعل).
إن هذا الحادث الأليم لم يزدنا إلا يقيناً على يقين بمكانة بلدنا الطاهر
وفضله العظيم الباهر، حيث أن ما يتميز به في أمور الدين وأمور الدنيا لهو
مثار حسد الحاسدين ومصدر غيظ الحاقدين، والمكر السيء لا يحيق إلا بأهله
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
لقد كان وقع ذلك الحادث على قلوبنا شديداً، وهو كذلك على قلوب الناصحين
الصادقين، فلكم هو مرّ، ولكم هو ضُرٌ .. إن مرارته وضره لتظهر في صورة قلب
الحقائق الدينية وانتكاس الفطر والمفاهيم السليمة: أي أمر بمعروف ونهي عن
منكر هذا؟ أي إصلاح هذا؟ لقد صدق الشيطان الرجيم ـ وهو كذوب ـ حينما قال:
«أهلكت العباد بالذنوب، فأهلكوني بالاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم
بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون» نعم الإهلاك بالأهواء
عظيم، لأن صاحبه يدافع عن هواه ديناً ـ والدين برئ منه ـ فيرى أن إخافة
الآمنين وقتل المعصومين بالتفجير أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. ويرى أن
إصلاح المجتمع يسوغ أن يكون بأي وسيلة ولو كانت هذه الوسيلة إبادة المجتمع
كله ... فكيف يتفاهم مع هذا، وكيف يجادل هذا؟ إنه مجرم في صورة رجل دين...
إن قتل قيل قتل رجل دين. وإن ضلل قيل هذا طعن في رجال الدين؟ لم ذلك؟ لأن
المفاهيم تغيرت، والمشرب اختلف، فنسي الناس: الجعد بن درهم الذي ضحى به
خالد بن عبد الله القسري ـ رحمه الله ـ والحلاج، ونحوهم ممن قتل بأمر
العلماء حفاظاً على أصول الدين ومعتقداته من الإفساد. كما نسي الناس قتال
الصحابة للخوارج الذي يضرب المثل باجتهادهم في الصلاة والصيام.
إن لغة الحوار مع من هذا فكره ومعتقده لم تكن يوماً من الأيام لغة تميع
وتمييع. بل كان السلف يقذفونهم بمجانيق الحق وبالحجج الدوامغ، لأن مرضهم
بلغ حد الاستئصال، جاوز الرقية بل جاوز الكي. فمن تبجح فوق منبر من المنابر
داعياً إلى لغة غير هذه فقد بان سوء تصوره للقضية، فلا حكم له فيها. إنها
قضية عرفناها عن كثب منذ أزمة الخليج، قد حاول بعضهم تعمية الأعين عن
نتنها، فنهى عن «تصنيف» أهلها، حتى جاء أمر الله فظهر ما كانوا يبطنون
{وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} تكفير للمجتمع وخروج على ولاته وقدح
في علمائه، وتاج ذلك: تفجير يدوي ليفزع الآمنين، ويقتل المعصومين .. فأي
عقل وأي نقل، يقول ـ بعد هذا كله ـ لغة الحوار مع هؤلاء لغة الهدوء!! إنها
ـ وأيم الله ـ دعوى كاذبة خاطئة في ثوب نصح ممزق، ما أشببها بدعاوي ابن
العلقمي ـ وزير السوء ـ عند الخليفة العباسي، التي كان عاقبتها سقوط
الخلافة وقتل علماء السنة وسفك دماء المسلمين على أيدي التتار.
إن الواجب المتعين الآن تكثيف الجهود على مهمتين:
الأولى: تنظيف المجتمع من أوحال الأفكار المنحرفة.
والأخرى: العمل على تحصين الشباب والشابات من الانزلاق في شيء من تيارات
السوء: علمانية أو شيوعية أو خارجية أو مرجئة أو أي اتجاه شاذ مرفوض مهما
تسمى بأسماء براقة، فإن الله لا ينظر إلى الصور والأشكال وإنما ينظر إلى
الأعمال.
فنحن ـ بحمد الله تعالى ـ لدينا منهج عظيم ودولة مجيدة لدينا دعوة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب وولاية ال سعود، فلسنا بحاجة إلى أحد من الناس لا في
الفكر ولا في الأمن ولا في تبليغ الدعوة، العلماء عندنا والولاة الناصحون
عندنا، فما الذي نطلبه من الخارج؟ أنطلب من يزاحم الدعوة الإصلاحية أو
يلغيها أم نطلب ما يزعزع أمننا ويفرق صفنا؟! أنرضى أن نكون كأصحاب «سبأ»
الذين طالت عليهم نعم الله وخيراته فملوها وتمنوا زوالها حيث دعوا الله أن
يجعل المشقة والنصب عليهم في أسفارهم فقالوا: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ
بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ
وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ
صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
أو ما نعلم أن هناك أناساً يسعون سعياً حثيثاً لنقلنا إلى حيث الفتن
والقلاقل، يتربصون بنا الدوائر، لا يفتؤون في طعننا وخيانتنا والنيل منا...
ما هذا الحقد؟
ما هذا الغل؟
أفلا نتساءل عن دواعيه وبواعثه؟
ألسنا حماة الحرمين الشريفين؟ ألسنا البلاد الوحيدة التي فيها رئاسة للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ألسنا المطبقين لأحكام الشريعة في الحدود
والقصاص وكل شؤون الحياة؟ ألسنا أحسن الدول في الوقت الحاضر من حيث المظهر
الإسلامي العام، ألسنا المنفقين في سبل الخير نغيث الملهوف ونعين على نوائب
الحق؟ أليس مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لا يتوقف في طبع الكتاب
العزيز وتوزيعه؟ أليس أليس؟ لماذا إذن السعودية!! إن كان هناك من نقص ـ
والنقص لا يخلو منه بشر ـ فإن التوحيد حسنة عظيمة يصغر في جنبها كل ذنب.
إذًا ما السر: إنه الحسد القاتل والبغض الدفين، إنها القلوب التي تأجج
ناراً إذا رأت ما ترفل فيه من نعم وآلاء دينية ودنيوية. لقد حيل دون تلك
القلوب وما تؤمل وتريد من شر لهذه البلاد، فاتجهت إلى طريق آخر هو النفوذ
إلى بعض ضعفاء الدين قليلي المروءة من شبابنا لشحنه بأفكار هدامة يزخرفونها
لهم في حلي وثوب قشيب.
وخذ مثلاً على ذلك كتاب «الطريق إلى جماعة المسلمين» لحسين بن محمد بن علي
جابر ـ هذا الكتاب أقحم في بعض الجامعات ليكون مرجعاً لمادة: الدعوات
الإصلاحية ـ أتدري ماذا يقول عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ إنه يقول
في (ص 258) انتهت الوهابية بانتهاء مؤسسها يعني أنها منذ عام 1206 هـ لا
وجود لها، على أننا ننكر تسميتها بالوهابية.
ويقول (ص 399) إن الجماعات ذات الكمال والشمول في الغايات والوسائل ـ يعني
جماعة الإخوان المسلمين ـ هي الجديرة بأن يعطيها كل مسلم ولاءه ونصرته، وأن
كل مسلم يتأخر عن ذلك فهو آثم ومقصر. ا.هـ كلامه.
فهذا مثال بسيط من غزوهم الفكري لأبناء هذا البلد الطيب. بدأ أولاً بإلغاء
دعوة الشيخ محمد وزعم أنها انتهت بموت مؤسسها، ثم قرر أن الدعوة التي تجب
نصرتها ويأثم من لم يعطها ولاءه هي دعوة الإخوان المسلمين!! بمثل هذا نفذ
أولئك إلى شبابنا فأفسدوا منهم من شاء الله له الانحراف، فطعنونا بهم،
وألبوهم علينا، فكان حالنا كحال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عندما
خرج عليه بعض رعيته.
فيا أيها العلماء وأيها المصلحون: تداركوا أبناءكم وحصنوا أفكارهم، واطيحوا
بعدوكم وعدوهم قبل فوات الأوان.